ومزدلفةُ هيَ المشعرُ الحرامُ الذي قالَ اللهُ تعالى فيهِ : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وإن كنتم من قبله لمن الضالين .. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }.
فلا تنقطِعْ عنِ العبادةِ فالعبدُ ليسَ لهُ منتهىً للعبادةِ .. فإذا فرغْتَ منْ عبادةٍ أو نسكٍ أكمِلْ عباداتِكَ بعدَها بإقبالٍ وشوقٍ فتشبَّهْ بالملائكةِ { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } فلا يتكاسَلُونَ عنِ العبادةِ ولا يملونَ ولا تضعفُ عزيمتُهُمْ .. فاللهُ يأمرُنا بعدَ أداءِ ركنِ الحجِ ألا نتوقفَ عنِ العبادةِ فيأمرُنا بذكرِ اللهِ عندَ المشعرِ الحرامِ ويأمرُنا أن نستغفرَهُ سبحانَهُ.
فإذا وصلْتَ مزدلفةَ صَلِّ بها المغربَ والعشاءَ جمعاً وقصراً واجمعْ جمراتِكَ للأيامِ التاليةِ .. والآنَ وقتُ الراحةِ بعدَ يومٍ شاقٍ في عرفةَ ثم طريقٌ أكثرُ منْ خمسِ كيلو متراتٍ .. فتأسَّ بالنبيِ واعطِ جسدَكَ راحةً لتتقوى بها على إكمالِ المناسِكِ .. نمْ نومةً عميقةً هنيئةً لمْ تنَمْ مثلَها منْ قبلُ .. فيها بركةٌ غريبةٌ وسكينةٌ عجيبةٌ وكأنَكَ تنامُ على أنعَمِ الفُرُشِ معَ أنَكَ تفترشُ الأرضَ والترابَ!!
وتعلمْ التواضُعَ بافتراشِ الأرضِ والنومِ مثلَ أفقرِ الفقراءِ ..
واختارَ اللهُ وقتَ الراحةِ ليكونَ ليلاً لما في نومِ الليلِ منْ بركةٍ فساعةُ الليلِ أبرَكُ منْ عشرِ ساعاتٍ بالنهارِ.
واستيقِظْ قبلَ الفجرِ لتذكرَ اللهَ وتصليَ ركعتينَ قيامَ خفيفتينِ وتستعِدَّ لصلاةِ الفجرِ .. وبعدَ الفجرِ اغتنِمْ الدفعةَ الهائلةَ المكتسبةَ من الدورةِ الروحيةِ المكثّفةِ أثناءَ الوقوفِ بعرفةَ؛ مقتدياً بنبيِّكَ - صلى الله عليه وسلم - الذي ظلَّ يدعُو ويذكرُ اللهَ في مزدلفةَ حتى أسفرَ الصبحُ جِدّاً ( إسفاراً بليغاً ) لتبدأَ عندَها في التحركِ منْ المزدلفةِ بعدَ أنْ يكونَ نورُ التوبةِ والإيمانِ قدْ أسفرَ في قلبِكَ مبدِّداً ظلامَ الغفلةِ والعصيانِ كما أسفرَ النورُ على الأرضِ فبدَّدَ الظلامَ.
وأثناءَ الطريقِ لا تنسَ الذكرَ .. وكذلكَ التلبيةَ فهذا آخرُ أوقاتِ التلبيةِ فستقطعُ التلبيةَ معَ رميِ جمرةِ العقبةِ الكبرى ويكونُ ذكرُ الأيامِ المقبلةِ هو التكبيرَ والتهليلَ.
ونودُّ أنْ ننبهَ هنا على مبدأٍ تنظيميٍّ هامٍّ جداً في دخولِ مزدلفةَ والمبيتِ بها وهو أنَّ الأفواجَ الأولى التي تصلُ إلى مزدلفةَ لا تتوقفُ وتتخذُ مكانَ مبيتِها في أولِ مزدلفةَ فهذا خطرٌ كبيرٌ يجعلُ الأفواجَ القادمةَ منْ عرفةَ تتعثرُ ولا تستطيعُ دخولَ مزدلفةَ مما يؤدي إلى زحامٍ شديدٍ قدْ يتحولُ إلى كارثةٍ .. تخيَّلْ أنَّ لدينا خزانينِ كبيرينِ أحدهما ممتلئٌ والآخرُ فارغٌ ولابدَّ أنْ ننقلَ الماءَ منَ الخزانِ من هذا إلى ذاكَ فتخيلْ لوْ أنَّ بعضَ الماءِ تجمَّدَ عندَ فوهةِ الخزانِ الفارغِ كيفَ سيدخلُ الماءُ إليهِ فسيحدُثُ انفجارٌ ولابدَّ .. فليسَ منْ حقِ الأفواجِ الأولى أنْ تتجمدَ عندَ فوهَةِ مزدلفةَ حتى تسيرَ هذهِ الأفواجُ الهائلةُ في انسيابيةٍ رائعةٍ مثلَ انسيابِ الماءِ بينَ الخزانينِ .. فالواجبُ ألا تتوقفَ مهما كنتَ متعباً حتى تحققَ المصلحةَ الكبرى للحجاجِ وتقِيَ نفسَكَ من الهلاكِ باندفاعِ الناسِ منْ خلفِكَ .. وتتوقف عندَ نهايةِ وصولِ الناسِ المنضبِطينَ واتخذْ مكاناً للنومِ بعيداً عنِ الطريقِ.
الإفاضة إلى مزدلفة
1
إذا غربت الشمس توجه من عرفات إلى مزدلفة وعليك السكينة والهدوء، لا تزاحم الناس بنفسك أو دابتك أو سيارتك، فإذا وجدت خلوة أسرع.
2
فإذا وصلت مزدلفة فأذن أنت أو غيرك ممن معك و أقم و صلِ المغرب ثلاثاً، ثم أقم و صلِ العشاء قصراً، واجمع بينهما، وإن فصلت بينهما لحاجة لم يضرك ذلك، و لا تصلِ بينهما ولا بعد العشاء شيئاً، ثم نم حتى الفجر.
3
والمبيت بمزدلفة واجب، ويجوز للضعفاء من الرجال والنساء وكذا من كان تابعًا ومرافقًا لأحد هؤلاء الضعفاء- ولو كان هو قويًا في نفسه- أن يدفعوا في آخر الليل بعد غياب القمر، أما من كان من غير أهل الأعذار فإنه يبقى بمزدلفة حتى يصلي الفجر بها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
4
فإذا تبين لك الفجر صلِ في أول وقته بأذان و إقامة. ثم اقصد المشعر الحرام (مكان المسجد الموجود بمزدلفة) إن تيسر لك ذلك؛ فتوحد الله وتكبره وتدعو بما تحب رافعًا يديك حتى يسفر جداً (أي حتى ينتشر النور). وإن لم يتيسر لك الذهاب إلى المشعر الحرام فعليك بالدعاء في مكانك.
الأخطاء الشائعة في الإفاضة إلى مزدلفة
1
سرعة انصراف الناس بسياراتهم مع مزاحمة الحجاج وإيذائهم وتعريضهم لخطر الحوادث وهذا خلاف السنة.
2
عدم تحري بعض الحجاج لحدود مزدلفة، فيبيتون خارجها، والمبيت بمزدلفة من واجبات الحج.
3
تسرع كثير من الحجاج عند صلاة المغرب والعشاء، وعدم تحريهم اتجاه القبلة الصحيح والسؤال عن ذلك ، وكذا في صلاة الفجر.
4
تأخير صلاتي المغرب والعشاء إلى ما بعد منتصف الليل، والسنة للحاج أن يصليهما جمعاً في مزدلفة، قبل خروج وقت العشاء، وهو نصف الليل، فإذا لم يمكنه ذلك، فيصليهما في أي مكان قبل خروج الوقت.
5
انصراف الكثير من مزدلفة قبل نصف الليل وتركهم المبيت بها من غير أن يكونوا من أصحاب الأعذار أو مرافقيهم ، مع أنه من واجبات الحج.
6
صلاة الفجر بمزدلفة قبل وقتها؛ حتى يتعجل الانصراف، وهذا خلاف السنة، والصلاة قبل وقتها باطلة لا تجوز.
7
اعتقاد وجوب جمع الحصى من مزدلفة، والصواب جواز جمع الحصى من أي مكان.