ركعتي الطواف

 


فإذا انتهيْتَ منَ الطوافِ فاتجِهْ خلفَ مقامِ إبرهيمَ وأنتَ تقرأُ :{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً }، ثم تقدّمْ إلى مقامِ إبراهيمَ فصلِّ ركعتينِ كأنكَ بهِمَا تشكرُ اللهَ أنْ بلغَكَ مرادَكَ ووفّقَكَ لغايتِكَ.

ومقامُ إبراهيمَ هو الحَجَرُ الذي كانَ الخليلُ يعلوهُ عندَ بنائِهِ البيتَ ليتمكنَ منْ رفعِ الحجارةِ، لذا يعتبرُ أكبرَ مساهمٍ في بناءِ بيتِ اللهِ الحرامِ، وما يدرِينا لعلَّنا أُمِرْنا بالصلاةِ خلفَهُ رداً للجميلِ، فقدْ قدَّمَ هذا الحجرُ أكبرَ خدمةٍ لبناءِ بيتِ اللهِ وأعظمَ مساعدةٍ لنبيِّ اللهِ، فاستحقَّ أن يُصلَّى خلفَهُ ليتشرفَ بأعظمِ عبادةٍ منْ أطهرِ عبادٍ، فاغرِسْ في قلبِكَ أعظمَ الرجاءِ، وكيفَ لا وقدْ كافأَ اللهُ الحَجَرَ على إحسانِهِ، فكيفَ لا يكافِئُ البشرَ وقدْ زارُوهُ طمعاً في فضلِهِ ورضوانِهِ؟!

وهذا الحجرُ رمزٌ لتخليدِ أثرِ كلِ منْ يعملُ للهِ مخلصاً .. فمنْ يتخيلُ أنَّ قدمَ إنسانٍ تطبعُ حفرةً عميقةً في الحجرِ .. غيرَ أنَّ اللهَ أرادَ تخليدَ أثرِ سيدِنا إبراهيمَ وما قدَّمَهُ للدينِ .. وهكذا أنتَ تأكَّدْ أنَّ ما تقدمُهُ سيخلدُ اللهُ أثرَهُ ... ثم تفكَّرْ فيما قدمْتَ أنتَ للدينِ هلْ يستحقُ أنْ يخَلَّدَ؟ ماذا قدمْتَ للهِ؟ أينَ بصمتُكَ في الحياةِ؟

واستشعِرْ عراقةَ النسبِ بينَكَ وبينَ أبي الأنبياءِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، وتأملْ أوجهَ التشابِهِ بينَ حجتِكَ وبينَ ما فعلَ، فقدْ فارَقْتَ وطنَكَ كما فعَلَ إبراهيمُ عليهِ السلامُ حينَ خرجَ منَ العراقِ متوجهاً إلى الحجازِ، وتخلَّيْتَ عنْ ملابسِكَ ولففْتَ حولَ جسدِكَ رداءَيْنِ بسيطَيْنِ يشبهانِ اللباسَ الذي ارتدَاهُ إبراهيمُ وإسماعيلُ عليهما السلامُ. 

وطُفْتَ حولَ الكعبةِ كما طافا، وستسعى بينَ الصفا والمروةِ مقلداً سَعْيَ هاجرَ بحثاً عنِ الماءِ، وستنحَرْ قربانَكَ كما فعلَ إبراهيمُ حينَ افتدَى ولدَهُ، وسترمِي الشيطانَ بالجمراتِ مكرراً عملَ إبراهيمَ حينَ رمى الشيطانَ بالجمراتِ. 

فتذكّرْ هذا التاريخَ وامزُجْ صلاتَكَ بذكرَى نبيِ اللهِ إبراهيمَ الذي ضحَّى وبذلَ وجاهدَ وصبرَ حتى استحقَّ تقديرَ اللهِ لهُ بأنْ جعلَهُ أمَّةً وحدَهُ، بلْ وقرَّبَهُ وأدناهُ منهُ حتى أنعمَ عليهِ بلقبِ الخليلِ.

وحاولْ الإقتداءَ بهذا النبيِّ العظيمِ الذي قالَ عنهُ اللهُ { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } أمرَهُ اللهُ بأشياءَ ففعلها كلَها كما أمرَ .. تخيَّلْ كمْ هوَ صعبٌ تحقيقُ هذا التمامِ وألا تقصرَ أبداً في الطاعاتِ والأوامرِ الربانيةِ، ووصفَهُ اللهُ بوصفٍ رائعٍ { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } أيْ أدَّى كلَّ ما عليهِ كاملاً.


التصنيفات: