واستلامُ الحجرِ يكونُ بمسحِهِ باليدِ أو تقبيلِكَ لهُ أو إشارتِكَ إليهِ بشيءٍ كالعصا ونحوِها ثم تقبيلِ ذلكَ الشيءِ أو إشارتِكَ إليهِ بيدِكَ ( كلُّ ذلكَ وردَ عنِ النبيِّ فعلُهُ ) فاستشعِرْ عندَ استلامِكَ الحجرَ الأسودَ أنكَ تبايعُ اللهَ على طاعتِهِ فيجبُ عليكَ الوفاءُ، لأنَّ الحرَّ الكريمَ لا ينكثُ عهدَهُ ولا يخلفُ وعدَهُ، ومنْ غَدَرَ استحقَّ المَقْتَ والإبعادَ، ومنْ تكررَ منهُ نقضُ العهدِ لمْ يوثَقْ بهِ بعدَ ذلكَ على الدوامِ.
قالَ عكرمةُ رضي الله عنه: "الحجرُ الأسودُ يمينُ اللهِ عزَ وجلَ في الأرضِ، فمَنْ لمْ يدركْ بيعةَ رسولِ اللهِ، فمسحَ الركنَ فقدْ بايعَ اللهَ ورسولَهُ ".
واشْتَقْ إلى الجنةِ لأنكَ ترى قطعةً منها، تدبَّرْ هذا .. أنتَ الآنَ ترى قطعةً منَ الجنةِ .. فأيُّ يقينٍ يدخلُ قلبَكَ .. فالجنةُ موجودةٌ الآنَ تنتظِرُكَ وهذا حجَرٌ منها فاعملْ واجتهدْ لتراها هيَ ذاتَها وتنعمَ النعيمَ الأبديَّ. قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نزلَ الحجرُ الأسودُ منَ الجنةِ وهو أشدُّ بياضاً من اللبنِ فسوَّدَتْهُ خطايا بني آدمَ ". ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6756 في صحيح الجامع، واستحضِرْ عندَها ذنوبَكَ السالفةَ كيفَ سوَّدَتِ الحجرَ الأصَمَّ، أفلا تسوِّدُ قلبَكَ المسكينَ وهو منْ لحمٍ ودمٍ؟! قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ : " لولا ما مسَّ الحجرَ منْ أنجاسِ الجاهليةِ ما مسَّهُ ذو عاهةٍ إلا شُفِيَ، وما على الأرضِ شيءٌ منَ الجنةِ غيرُه ". ( صحيح ) انظر حديث رقم : 5334 في صحيح الجامع. فاعلمْ أخي الحاجَّ أنَّ الذنوبَ تُذْهِبُ البركةَ كما ضاعَتْ بركةُ الحجرِ الأسودِ بذنوبِنا.
قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:" إنَّ لهذا الحجرِ لساناً وشفتيْنِ يشهدُ لمَن استلمَهُ يومَ القيامةِ بحقٍّ ". صحيح حديث رقم (2184) في صحيح الجامع.
وقالَ - صلى الله عليه وسلم - : " إنَّ مسحَ الحجرِ الأسودِ والركنِ اليماني يحطَّانِ الخطايا حَطَّاً ". صحيح انظر حديث رقم (2194) في صحيح الجامع.
وتذكَّرْ متابعةَ النبيِّ في كلِ شيءٍ حتى وإنْ كانَ تقبيلَ حجرٍ أو الإشارةَ إليهِ .. كانَ عمرُ بنُ الخطابِ - رضي الله عنه - يُقبلُ الحجرَ ويقولُ إني أقبلُكَ وأعلمُ أنكَ حجرٌ، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقبلُكَ لمْ أقبلْكَ. ففعلَ ذلكَ حباً واتباعاً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وإياكَ والمزاحمةَ :
قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لسيدِنا عمرُ بنِ الخطابِ : " أنتَ رجلٌ قويٌ، لا تزاحِمْ على الحجرِ فتؤذي الضعيفَ، إنْ وجدْتَ خلوةً فاستلِمْهُ وإلا فاستقبِلْهُ وهلِّلْ وكبِّرْ ". صحيح انظر حديث رقم 185 في مسند أحمد وصححه الألباني في الحج الكبير
والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ، فهمْ يستحبونَ تقبيلَ الحجرِ، فإنْ لمْ يمكنْكَ استلِمْهُ بيدِكَ، فإنْ لمْ تصلْ إليهِ استقبِلْهُ بوجهِكَ إذا حاذَيْتَهُ وقلْ : بسمِ اللهِ .. اللهُ أكبرُ، واحذَرْ فقدْ يكونُ إثمُ إيذاءِ مسلمٍ ومدافعتُهُ أعظمُ منْ ثوابِ تقبيلِ الحجرِ واستلامِهِ، فإنَّ تقبيلَ الحجرِ سنةٌ وإيذاءُ المسلمِ حرامٌ، فهلْ يليقُ بكَ أنْ تقعَ في الحرامِ وأنتَ في الحرمِ لتفعلَ سنةً؟!
وفي توجيهِ النبيِ وفعلِهِ في تقبيلِ الحجرِ الأسودِ معنييْنِ : الأولُ هوَ فقهُ الأولوياتِ .. ومراعاةِ المصالحِ والمفاسدِ .. فترتيبُ الأولوياتِ يكونُ تركَ الحرامِ وأداءَ الفرائضِ ثم أداءَ السننِ فإنْ تعارضَتِ السنةُ معَ فريضةٍ أو أدَّى فعلُها إلى إرتكابِ معصيةٍ تُرِكَتْ السنةُ.
والمعنَى الثانِي هوَ قاعدةُ " ما لا يُدْرَكُ كلُّهُ لا يُتْرَكُ كلُّهُ " والتدريبُ على ذلكَ في تقبيلِ الحجرِ فمَنْ لمْ يستطعْ تقبيلَ الحجرِ فيمسحُهُ بيدِهِ ثم يقبلُهَا وإنْ لمْ يستطعْ فيمسحُهُ بشيءٍ ويقبلُ ذلكَ الشيءَ وإنْ لمْ يستطعْ فيشيرُ إليهِ منْ بعيدٍ .. فإنَّ كثيراً منَ الناسِ في حياتِهِمْ لو لمْ يستطعْ فعلُ عبادةٍ أو عملٍ على أكملِ وجهٍ تركَهُ كلَّهُ وهذا منْ مداخلِ الشيطانِ الذي يريدُ أنْ ييأسَ العبدُ منْ فعلِ الخيراتِ بحجةِ أنهُ لنْ يستطيعَ إتمامَها كاملةً .. فالصوابُ أنَّ العبدَ يفعلُ قدرَ استطاعتِهِ كما نصحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ " ما أمرتُكُمْ بهِ فاتُوا منهُ ما استطعتُمْ وما نهيتُكم عنهُ فانتهُوا " وقولُهُ " أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدومُها وإنْ قَلَّ "
وللنساءِ أوجبُ
قالتْ مولاةٌ لأمِّ المؤمنينَ عائشةَ : يا أمَّ المؤمنينَ! طفتُ بالبيتِ سبعاً، واستلمتُ الركنَ مرتينِ أو ثلاثاً. قالتْ عائشةُ : لا آجرَكِ اللهُ .. لا آجرَكِ اللهُ .. تدافعينَ الرجالَ؟! ألا كبَّرْتِ ومررْتِ؟!!
وادعُ بكلِ ما تتمنَّى منْ خيرَيِ الدنيا والآخرةِ ولا يوجدُ دعاءٌ مخصوصٌ للطوافِ غيرَ أنَّ النبيَّ كانَ يدعُو بينَ الركنِ والمقامِ فيقولُ " ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذاب َالنارِ " ولا بأسَ أنْ تستعينَ بقراءةِ بعضِ أدعيةِ النبيِ .. لكنَّ الأهمَّ أنْ تستشعرَ ما تدعو بهِ ويكونُ الدعاءُ نابعاً منْ قلبِكَ .. فالدعاءُ قلبٌ لا فصاحةٌ.
جاءتِ امرأةٌ منَ الأعرابِ إلى الحجرِ الأسودِ فسمعَتْ طائفةً منهمْ يدعونَ بدعاءٍ حسنٍ، ويسألونَ مطالبَ لهُمْ، فقالتْ : اللهمَّ إنكَ تعلَمُ أني لا أحسنُ مثلَ دعائِهِمْ، وتعلمُ أني أسألُ منكَ مثلَ الذي يسألونَ، فأعطني مثلَ ما تعطِيهِمْ، ثمَّ انصرفَتْ!!